تعيد عودة لويس إيناسيو لولا دا سيلفا إلى رئاسة البرازيل أحد أكثر الموضوعات إرهاقاً في أميركا اللاتينية، وهي ضرورة تقديم المنطقة جبهة موحدة للعالم. إنها فكرة قوية ذات تاريخ حافل، لكن وحدة أميركا اللاتينية ستظل بعيدة المنال حتى تقوم على التجارة والاقتصاد بدلاً من السياسة والأيديولوجيا فقط. وعلى عكس سلفه، جايير بولسونارو، لطالما كان لولا يطمح للتحدث باسم بقية أميركا اللاتينية.

والآن في ولايته الثالثة، تحرك الرئيس البالغ من العمر 77 عاماً بسرعة لمحاولة العودة إلى المسرح العالمي من خلال عرضه أن يكون وسيطاً في الأزمة الروسية الأوكرانية. ويركز «لولا» بشكل ملائم على أميركا الجنوبية، وليس أميركا اللاتينية، حتى لا يشمل المكسيكي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور الذي عبر عن تطلعاته الخاصة للقيادة الإقليمية. ولولا محق حين قال: إن قادة المنطقة بحاجة إلى «تعلم كيفية الدردشة».

ومن أكثر العواقب المدمرة للاستقطاب السياسي في المنطقة عدم قدرة الحكومات ذات الأيديولوجيات المختلفة على إجراء حوار نزيه. فخلال السنوات الثلاث التي كان فيها اليساري ألبرتو فرنانديز رئيساً للأرجنتين والمحافظ بولسونارو رئيساً للبرازيل، وهما أكبر اقتصادين في أميركا الجنوبية، لم ينعقد بينهما اجتماع ثنائي رسمي واحد.

وحتى مع الاعتراف بأن الحكومات والسياسات تتغير، وأن استعادة العلاقات الدبلوماسية مع فنزويلا هدف جدير بالاهتمام، لكن هذه الخطوة لا توحي بالثقة في البرازيل كقائد إقليمي راسخ البنيان. وفي الوقت نفسه، فإن العمل على تحقيق مزيد من التكامل الجدير بالاهتمام، أي التكامل الاقتصادي، يتراجع.

ففي العقد الماضي، انخفضت حصة إجمالي تجارة البرازيل مع بقية أميركا اللاتينية من 19.5 بالمئة إلى 15.4 بالمئة. ويمثل رقم العام الماضي زيادة عن 14.2 بالمئة في عام 2020، لكنها ما زالت منخفضة جداً نظراً لازدهار الصادرات البرازيلية والخطاب حول حاجة دول أميركا اللاتينية إلى التجارة معاً. ويعاني تكتل «ميركوسور التجاري» الذي تبلغ قيمته 2.8 تريليون دولار والذي شكلته البرازيل والأرجنتين وباراجواي وأوروجواي، من شلل فعلي ومن الافتقار إلى استراتيجية مشتركة. واتفاقه مع الاتحاد الأوروبي مازال من دون تصديق بعد أربع سنوات من الاتفاق عليه، أي بعد عقدين من بدء المفاوضات. كما أن محاولة أوروجواي لتوقيع اتفاقية تجارة حرة مع الصين، متجاوزة الكتلة بالكامل، معلقة أيضا وسط مناقشات حول إذا كان من الممكن التوصل إلى صفقة أكبر من ميركوسور.

والأسوأ من ذلك أن الأرجنتين تنجرف نحو التضخم المفرط دون أي نوع من رسوخ القدم الإقليمي. والمشاكل الشائعة الأخرى التي قد تستفيد من الرد الموحد وهي شبكات الجريمة والمخدرات المتنامية، على سبيل المثال، تفتقر في الغالب إلى منظور إقليمي. وحتى الفرص الواضحة نسبيا لتحسين البنية التحتية تمثل تحديا. وبرازيليا ليست متصلة مباشرة بالطيران بسانتياجو، عاصمة تشيلي، على سبيل المثال، والركاب الذين يسافرون من مكسيكو سيتي إلى ريو دي جانيرو يحتاجون إلى التوقف في بنما أو ساو باولو.

وبعد عقود من تدشين ميركوسور، يعيش عدد قليل من البرازيليين في الأرجنتين، والعكس صحيح، على الرغم من شروط التأشيرة التفضيلية. ويمكن خدمة قضية وحدة أميركا اللاتينية بشكل أفضل من خلال مشروعات أقل تأثراً بالجوانب السياسية وأكثر موضوعية (حتى لو كانت عادية). ومما يحسب للرئيس البرازيلي دعوته لتنسيق اللوائح المالية وتقليص البيروقراطية. لكن يجب العمل أكثر والكلام أقل.

مدير تحرير بلومبيرج نيوز لشؤون الاقتصاد والحكومة في أميركا اللاتينية.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»